قبو لحزب الله تحت مستشفى في بيروت

في يوم 21 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، أعلن الجيش الإسرائيلي عن وجود قبو تابع لحزب الله يخفي فيه نصف مليار دولار تحت مستشفى الساحل في العاصمة اللبنانية بيروت، وهو أحد أهم مستشفياتها. ولكن منذ ذلك الحين، لم تتوفر أية تفاصيل تؤكد المزاعم الإسرائيلية على الرغم من التوضيحات التي نشرها في الأيام الموالية متحدثون عسكريون في الدولة العبرية.

عملية التحقق في سطور

  • أكد الجيش الإسرائيلي وجود قبو تابع لحزب الله يخفي فيه مبلغا بقيمة نصف مليار دولار، تحت مستشفى الساحل في العاصمة اللبنانية بيروت.

  • وخوفا من حدوث هجوم عليه، قررت إدارة المستشفى إخلاء العاملين والمرضى وسمحت بزيارة مبناه ومرآبه تحت الأرض للصحافة الدولية التي لم تعثر على شيء مثير للشبهة.

  • يؤكد الجيش الإسرائيلي أن مدخل القبو يوجد في بنايتين مجاورتين للمستشفى. ويؤكد عدد كبير من وسائل الإعلام الذين تنقلوا لمبنى المستشفى، من بينهم صحافي قناة دويتشه فيله الألمانية الذي تواصل معه فريق تحرير مراقبون فرانس24،  أنهم لم يعثروا على أية مؤشرات عن وجود مدخل لهذا القبو.
  • لم تقم أية وسيلة إعلام إلى حد الآن بزيارة المبنى الآخر المجاور وذلك يعود لأسباب أمنية بالأساس.

عملية التحقق بالتفصيل

“هذا المساء، سوف أكشف معلومات على موقع لم نقم بمهاجمته” هذا ما قاله الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري في تصريح يوم 21 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري أكد فيه أن الجيش عثر “على قبو لحسن نصر الله أو لحزب الله يخفي فيه ملايين الدولارات نقدا أو من الذهب”.

“أين يوجد هذا القبو؟ مباشرة تحت مبنى مستشفى الساحل في قلب بيروت” يقول هاغاري وهو يعرض رسما ثلاثي الأبعاد للقبو المزعوم وجوده تحت المبنى.

 

على هذا الرسم ثلاثي الأبعاد، يؤكد الجيش الإسرائيلي أن مدخل ومخرج هذا القبو يوجد داخل بنايتين متلاصقتين في محيط المستشفى: “مركز الساحل” في شمال المستشفى وبناية “الأحمدي” في الجنوب.

على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي أكد أنه لا يضع ضمن أهدافه ضرب المستشفى، إلا أن دانيال هاغاري أكد أن الجيش الإسرائيلي دمر في وقت سابق نحو عشرة مواقع تمثل جزء من “الشبكة المالية لحزب الله” التي قد يكون القبو جزءا منها.

“لم نسمح لحزب الله باستخدام هذا المال لغايات إرهابية” يقول من جهته المتحدث للإعلام العربي في الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي الذي يوضح قائلا: “جيش الجو التابع لنا يقوم حاليا بمراقبة المبنى وسيواصل تتبعه”.

 

وسائل إعلام تزور المنشآت تحت بناية المستشفى

هل يمكن التأكد من هذه المزاعم؟ بعد أربعة أيام من هذا الإعلان الإسرائيلي وعلى الرغم من بحوث عدد كبير من وسائل الإعلام، لم يتوفر أي مؤشر يدعم الرواية الإسرائيلية. إلا أن هذه الجهود البحثية تبقى إلى حد الآن جزئية.

ما الذي تمكنت وسائل الإعلام من ملاحظته؟ غداة التصريحات الإسرائيلية، نظمت إدارة المستشفى زيارة لوسائل إعلام دولية محلية للمبنى. ويكمن الهدف من وراء هذه الزيارة التأكيد بأنه لا يوجد أي قبو تحت المستشفى. وفي اليوم السابق، قررت إدارة المستشفى إخلاء جميع العاملين والمرضى خشية حدوث هجوم إسرائيلي. “لا يمكن لنا أن نخاطر بحياة أي كان. ولا يمكن التأكد بشكل قاطع بأنهم (إسرائيل) لم يقصفوا المستشفى” هذا ما صرح به الدكتور مازن المالح مدير مستشفى الساحل لقناة بي بي سي البريطانية في يوم 22 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.

“قوموا بالتفتيش بأنفسكم، لا يوجد أي شيء هنا يشبه قبوا، أو أنفاقا أو أي شيء من هذا القبيل” وفق تصريح مدير المستشفى مازن المالي للصحافة خلال زيارة وسائل الإعلام لمبنى المستشفى.

ويظهر عدد كبير من الصور -وهي بالعشرات- التي التقطتها مختلف وسائل الإعلام التي زارت المكان مستشفى خاليا تماما من المرضى دون أن تثير أية شكوك حول وجود هذا القبو.

ونزل صحافيون في عدد كبير من وسائل الإعلام إلى المنشآت تحت أرض المستشفى (إلى غاية الطابق الثاني تحت الأرض) وتحققوا بأنفسهم من عدم وجود أي قبو يمكن الدخول له من المستشفى. “حرص الأطباء على أن نشاهد كل ما هو موجود للتأكد من عدم وجود أي شيء مثير للشبهات هناك” وفق تصريح الصحافية أورلا غيرين من قناة بي بي سي البريطانية في تقريرها الذي التقط صورا في الطابق الثاني تحت أرض المستشفى، وقد تم تداول هذه الصور على نطاق واسع عبر شبكة الإنترنت.

بنايتان متلاصقتان في محيط المستشفى يعتبرها الجيش الإسرائيلي مداخل للقبو

منذ ذلك الحين، ما انفك الجيش الإسرائيلي يؤكد أن زيارة صحافيي وسائل الإعلام لا تؤكد في شيء عدم وجود هذا القبو، مذكرا بأنه أعلن منذ البداية بأن مدخل هذا القبو يقع في بنايتين متلاصقتين في محيط المستشفى.

وفي رسالة موجهة مباشرة إلى الصحافيين الموجودين على عين المكان، قال أفيخاي أدرعي في منشور على حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي: “اتجهوا إلى الأماكن المحددة التي قمنا بكشفها ولا تضيعوا وقتكم في مسرحيات داخل أقسام طبية، مدخل ومخرج القبو يوجد في بناية الأحمدي ومركز الساحل”.

من جهته، قام ناداف شوشاني المتحدث الآخر باسم الجيش الإسرائيلي بالإشارة إلى مركز الساحل على أنه يضم مدخل القبو وذلك في منشور على منصة إكس (تويتر سابقا) في يوم 23 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري وقال فيه “إليكم هذه النصيحة: وفق المعلومات التي توصلت إليها مصالح المخابرات، فإن مدخل هذا القبو يوجد في هذا البناية التي تقع في شرق (مستشفى الساحل) على مستوى الطابق تحت الأرضي” مضيفا بأن المدخل يوجد بالتحديد في الطابق الثاني تحت الأرض.

 

صحافيون في وسائل إعلام يزورون بناية “مركز الساحل”

وفي سؤال للصحافية في فرانس 24 نوريس ترنت حول هذه التصريحات، قال مدير مستشفى الساحل مازن المالح بأن هذه البنايات هي “عمارات خاصة مجاورة للمستشفى التي لا نعرف عنها شيئا ولا نملك أية روابط معها”.

وعلى الرغم من أن صحافيي فرانس 24 لم يتمكنوا من التنقل إلى هذه المباني، فقد تواصل فريق تحرير مراقبون في يوم 25 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري مع الصحافي في قناة دويتشته فيله Deutsche Welle الألمانية محمد شريطة. وقام هذا المراسل بتصوير زيارته في 22 تشرين الأول أكتوبر الجاري لمرآب السيارة تحت الأرض في بناية “مركز الساحل” الذي يقع في شرق المستشفى.

 
على الياسر، مشهد من تطبيق غوغل إيرث Google Earth يظهر الموقع الذي يوجد فيه مبنى “مركز الساحل” الذي يقع في شمال المستشفى (داخل الإطار باللون الأحمر) وبناية الأحمد (داخل الإطار البرتقالي). وتشير النقطة الزرقاء إلى المكان الذي يقع فيه مدخل مرآب السيارات تحت الأرضي الذي قام صحافي قناة دويتشه فيله الألمانية محمد شريطة بتصويره. © صور من تطبيق غوغل إيرث Google Earth وقناة دويتشه فيله الألمانية.

 

في ذلك اليوم، أكدت قناة إل بي سي اللبنانية أن أعوان الحراسة منعوهم من دخول المبنى، حيث تم إغلاقه بسلسلة حديدية. إنه دليل على أن “المجرمين الإرهابيين في حزب الله يمنعون صحافيين في حزب الله من كشف الحقيقة” وفق منشور للجيش الإسرائيلي في 22 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي سؤال لفريق تحرير مراقبون بشأن الباب المغلق في هذا البناية أمام قناة إل بي سي، يؤكد الصحافي محمد شريطة – وهو ما نراه في تقريره المصور أصلا- بأن “المدخل الرئيسي للبناية كان مغلقا” في 22 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري “إلا أن مرآب السيارات تحت الأرضي كان مفتوحا”.

ويسرد محمد شريطة قائلا: “كان هناك بعض الأشخاص في المنطقة من بينهم أعوان الحراسة. إلا أنه لم يطلب منا أي منهم الابتعاد عن المكان أو عدم الدخول لمرآب السيارات تحت الأرضي”. ويوضح الصحافي في القناة الألمانية قائلا: “يمكن أن نرى بوضوح في التقرير المصور الذي قمنا بإعداده بأننا تمكنا من الدخول لهذا المرآب بسهولة تامة”. وفي التسجيل المصور للتقرير، نرى أيضا بأن أشخاصا آخرين كانوا موجودين في المرآب تحت الأرضي.

وخلال زيارة مرآب السيارات هذا تحت الأرضي، يؤكد الصحافي محمد شريطة بأنه لم ير أي شيء “مثير للشبهات” ويؤكد بأن المصعد الذي يؤدي إلى المرآب كان خارج الخدمة إلا أنه استخدم أدراج كانت بجانبه للوصول للمرآب ولم تكن تصل إلى أكثر من الطابق الذي يوجد به المرآب. ويوضح محمد شريطة أيضا بأن الطابق تحت الأرضي يغطي كل البناية.

كما أنه تم فتح المدخل الرئيس لمركز الساحل في التالي من قبل مالكي البناية وفق تأكيد محمد شريطة، وهو ما يمكن التأكد منه من خلال تقارير مصورة أخرى تم إعدادها في يوم 23 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري من قبل التلفزيون الحكومي الروسي “روسيا اليوم”. أو من قبل صحيفة l’Orient Le Jour لوريون دي جور المحلية في لبنان. ولم تسفر هذه التقارير عن كشف أشياء جديدة.

 

عدم التحقق من “المدخل الثاني للقبو” في البناية الأخرى

إلى حد اليوم، لم تؤد هذه الزيارات الإعلامية، التي دعا إليها بالخصوص الجيش الإسرائيلي، إذن إلى كشف وجود هذا القبو المزعوم لحزب الله. “حزب الله لا يريد لكم أن تعثروا على المال، من المرجح إذا بأنه (حزب الله) يغلق ويخفي مدخل القبو عبر أساليب مختلفة، ومن الممكن أن يكون ذلك عبر بناء جدران لإخفاء مداخل القبو، الذي يحتوي على نصف مليون دولار نقدا أو من الذهب. ” هذا صرح به ناداف شوشاني المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في يوم 23 تشرين الأول أكتوبر الجاري.

في المقابل، فإن مبنى الأحمدي الذي يتهمه الجيش الإسرائيلي بأنه يملك مدخلا لمكان القبو لم تتم زيارته من قبل الصحافيين منذ يوم 21 تشرين الأول أكتوبر الجاري.

وفي سؤال لفريق تحرير مراقبون فرانس 24 حول هذه النقطة، يشدد الصحافي محمد شريطة على أن سلامة الصحافيين ليست مضمونة في بعض الأحياء في بيروت. ويضيف الصحافي قناة دويتشه فيله الألمانية “هذا المبنى يوجد في مكان أعمق داخل منطقة الضاحية” مذكرا بأن هذه المنطقة تتعرض بشكل مستمر لغارات الجيش الإسرائيلي منذ أواخر شهر أيلول/ سبتمبر الماضي.

ويضيف نفس الصحافي بأن كامل المنطقة الموجودة في محيط المستشفى هي “في دائرة الاستهداف” مؤكدا بأنه لاحظ وجود بقايا زجاج مكسور “في داخل مستشفى الساحل نفسه”

 

الإخلاء مستمر في مستشفى الساحل

مازال مستشفى الساحل الذي يعد من بين أهم مستشفيات العاصمة اللبنانية بيروت خاليا تماما إلى حد الآن. ومنذ بدء الجيش الإسرائيلي في تنفيذ غارات جوية على بيروت في أواخر شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، تم إخلاء عدد كبير من مستشفيات المدينة جزئيا على الأقل.

في تصريح نشر في يوم 16 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، أعربت منظمة الصحة العالمية عن أسفها لإغلاق نحو مئة مركز صحي من جملة 207 مركزا في المناطق المعنية بالحرب في لبنان منذ يوم 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تاريخ إطلاق حزب الله “جبهة الإسناد” لغزة بعد يوم واحد من هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وفق وزير الصحة في لبنان، فراس الأبيض، فإن 150 عاملا في القطاع الصحي لقوا مصرعهم بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *